زياد الرحباني- بين سحر الموسيقى وجدلية السياسة.

المؤلف: خالد السليمان08.23.2025
زياد الرحباني- بين سحر الموسيقى وجدلية السياسة.

لم تضاهِ مواقف زياد الرحباني السياسية روعة إبداعاته الموسيقية، فكما تفجرت موهبته الفنية في سن مبكرة، وملأ الدنيا بأنغامه وهو في ريعان شبابه، كذلك تبلورت آراؤه السياسية الحادة في المرحلة نفسها، حيث يذكر كيف أخبر والده عاصي الرحباني، بحماسة طاغية، عن نيته مغادرة المنزل لتأييد بيير الجميل، قائد حزب الكتائب، لكن والده أمره بالبقاء في غرفته!

تقلب زياد الرحباني في معترك السياسة منذ نعومة أظفاره، وبدا في كثير من الأحيان ضائعاً في متاهات الشعارات السياسية المتضاربة، إلا أن تأثره العميق بالأفكار اليسارية وتعاطفه الكبير مع معاناة الشعوب المقهورة جعلاه يميل بشدة إلى دعم القضايا والجماعات الوطنية، حتى أنه تجرأ على التمرد على محيطه الاجتماعي وانتقل للعيش في بيروت الغربية خلال أوج الانقسام اللبناني إبان الحرب الأهلية المريرة!

دأب زياد طوال حياته على إطلاق الآراء السياسية الجريئة وانتقاد السياسيين بشدة من خلال برامجه الإذاعية ومسرحياته المتميزة، مما جعله رمزاً من رموز التمرد الفكري، ويُروى أن والدته، أسطورة الغناء فيروز، استجابت لدعوة غداء من قرينة الرئيس السوري حافظ الأسد، وعندما حضر الأسد إلى المائدة، أخبرته فيروز بأن زياد لا يترك أحداً من النقد اللاذع في برنامجه الإذاعي، فاعتبر الأسد كلامها بمثابة طلب للتسامح مع انتقادات ابنها، وأصدر توجيهات لأجهزته الأمنية بعدم التعرض لزياد!

لكن يؤخذ على زياد أنه لم يُبدِ أي تعاطف يذكر مع آلام الشعب السوري خلال سنوات الحرب الطاحنة التي شنها بشار الأسد، ولم يرَ أي إشكالية في هيمنة حزب الله على اللبنانيين وفرضه سياسات سلطوية أدت إلى الموت والخراب في لبنان، وهذا أمر يثير الدهشة والاستغراب من شخص تشبع منذ صغره بالأفكار الداعمة للحرية والمناهضة للأنظمة والأحزاب المستبدة!

لعلها طبيعة بعض المبدعين أن يولد نبوغهم وتألقهم من رحم التناقض والاضطراب في الأفكار والمواقف السياسية، فالتاريخ حافل بالنماذج المشابهة!

ومما يشفع لزياد الرحباني، أن آراءه ومواقفه السياسية لم تتجاوز حدود التنظير والكلام، فهو لم يحمل سلاحاً قط، ولم يمارس التعذيب، ولم يسلب حياة أحد، بينما قدمت موسيقاه البلسم الشافي للكثير من النفوس، ويكفي أن تستمع إلى أجمل أغاني فيروز لكي تدرك القيمة الحقيقية لإبداع زياد!

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة